ماذا يريد المغترب من الدولة ؟ وماذا تريد الدولة من المغترب ؟ هذه الاسئلة راتبه تتبادر الى الذهن ما ذكرت قضية الهجرة والاغتراب والمغتربين ، ولعل المؤتمر العام السادس للسودانيين بالخارج الذى نظمه جهاز تنظيم شئون السودانيين بالخارج فى الفترة من التاسع عشر وحتى الحادى والعشرين من اغسطس الجارى جاءت انعقادته لإعادة ترتيب العلاقة بين الدولة والمغترب فى الكثير من القضايا والأدوار المشتركة بين الجانبين والتى تمثل ايضاً بأهميتها مصالح مشتركة ، وانقطاع المؤتمر عن الانعقاد لتسع سنوات لظروف وأسباب مختلفة ، خلف نوعاً من الضبابية على هذه العلاقة خاصة فى قضايا الاستثمار والعودة والتعليم وحقوق المغتربين السياسية والاجتماعية وغيرها من القضايا الهجرية المتعددة .
فمثلما للمغترب حقوق على الدولة ، للدولة ايضاً حقوق على المغترب ، والمؤتمر ثبت هذه الحقوق للجانبين واقرها ، وتتمثل حقوق المغترب على الدولة فى تسهيل عملية الاستثمارات ، وتوفير فرص واسعة وتوفير الضمانات الكافية له فى هذا الخصوص بما يمكنه من اتخاذ قرار العودة والاستقرار بالبلاد بسلام ، وتمكينه من تحويل واستلام امواله عبر القنوات الرسمية بالعملة التى يقوم بتحويلها ، وإتاحة الفرص الافضل لتعليم الابناء فى مؤسسات التعليم العالى السودانية ، الى جانب توفير الحماية لحقوقه بالخارج فيما يتعلق بالعلاقة بين المغترب والمخدم له فى الدولة المضيفة اذا كان يعمل لديها فى القطاع الخاص او الحكومى ، هذا فضلاً عن توفير حق المغترب فى المشاركة السياسية .
بينما تتمثل حقوق الدولة على المغترب فى التمثيل الافضل للسودان فى المهاجر المختلفة وعكس امثل الصور له ، ولعب دور الدبلوماسية الشعبية بالصورة الاوسع فى الدفاع عنه فى المحافل الدولية والاقليمية ، ومشاركة الدبلوماسية الرسمية بالاستفادة من علاقات المغتربين الممتدة فى دول المهجر فى جلب الاستثمارات الاجنبية واستثماراتهم الى داخل البلاد ، الى جانب تقديم مساعداتهم وعونهم ما دعت الحاجة لها الى اهلهم بالولايات فى الظروف المختلفة ، فضلاً عن تقديم خبراتهم التى اكتسبوها فى المهجر للاستفادة منها فى مشروعات التنمية المختلفة بالبلاد .
هذه الادوار المشتركة والمتبادلة تمثل فى مجملها رعايةً لمصالح رعايا الدولة بالمهاجر من قبل الدولة ، ورعاية لمصالح الدولة بالمغتربات من قبل المغتربين السودانيين ، ونادت الدولة والمغتربون خلال مداولات المؤتمر بهذه الحقوق التى تنزلت فى شكل اوراق عمل قدمها عدد من الخبراء والمهتمون من المغتربين ومن الجهات ذات العلاقة بالداخل .
جاءت كلمة النائب الاول لرئيس الجمهورية الفريق اول الركن بكرى حسن صالح فى فاتحة اعمال المؤتمر ، ملبية لطموحات المؤتمرين فى الكثير من القضايا والهموم التى تشغلهم فكأنها وضعت النقاط على الحروف التى خطت ادبيات المؤتمر وكانت تلخيصاً له ، وكانت برداً وسلاماً على المغتربين من خلال جملة القرارات والتوجيهات التى اعلنها خلال كلمته والتى كانت من اهمها الغاء المساهمة الوطنية ( المفروضة ) على الفئات من غير المهنيين من المغتربين السودانيين اعتباراً من يناير من العام 2015 م موجهاً الجهات ذات الصلة بمعالجة متأخراتهم وجدولتها خلال فترة زمنية مناسبة ، وانشاء الصندوق التكافلى للعودة الطوعية لدعم العائدين نهائياً ومساعدتهم على الاندماج والاستقرار بالبلاد ، الى جانب تخصيص حصص سكنية للمغتربين ضمن المخططات السكنية للصندوق القومى للاسكان والتعمير ، والتوجيه بالاسراع فى استكمال الدراسات لانشاء بنك المغترب ، هذا فضلاً عن توجيهه لبنك المركزى بتفعيل المنشور الذى يمكن المغترب السودانى من سحب تحويلاته بالعملات الصعبة ، وفيما يلى تعليم ابناء المغتربين وجه صالح وزارة التعليم العالى باتاحة افضل الفرص لابناء المغتربين بمؤسسات التعليم العالى السودانى ، واعلن رعاية الدولة ودعمها لتدريس المسار السودانى فى الخارج وانشاء المزيد من مدارس الصداقة والجاليات السودانية فى دول المهجر ، وعدد من التوجيهات الاخرى المتعلقة باشراك قطاعات المغتربين فى الحوار المجتمعى والحوار الوطنى كحق من حقوق المغتربين السياسية والاجتماعية ، وتكوين آلية وطنية لوضع السياسات الوطنية للهجرة .
وقبل ذلك ثمن النائب الاول لرئيس الجمهورية الدور الرائد للسودانيين بالخارج لاسهامهم فى مشروعات التنمية بالبلاد والتى شهدتها السنوات الماضية مشيراً الى المتغيرات الدولية والمحلية والاقليمية التى طرات على الهجرة والتى تقتضى المواكبة ، مبيناً ان المؤتمر يمثل سانحة طيبة لطرح قضايا السودانيين بالخارج واعرب عن امله فى ان يخرج المؤتمر بتوصيات تساعد على تعزيز المصلحة العامة والمصالح المشتركة بين الدولة والمغترب ، وبناء سياسات هجرية بعيدة المدى تساهم فيها المؤسسات المعنية بالشان الهجرى ، وتطوير الأسس القانونية للهجرة ، ومحاربة الهجرات غير الشرعية وحماية الحقوق السودانية بالخارج
الامير احمد سعد عمر وزير وزارة مجلس الوزراء امن على دور تحويلات المغتربين فى تراجع نسبة الفقر فى السودان ودفع عجلة الاقتصاد بالبلاد ومن هذا المنطلق جاءت اشادته بالدور الاقتصادى الذى يلعبه المغتربون ، ومن ناحية اخرى فى توثيق العلاقات الشعبية مع شعوب البلدان التى يقيمون فيها ، واكد على الدور المشترك بين الدولة والمغترب فى تحويل الهجرة السودانية الى هجرة راشدة ذات فوائد متعددة تعود على البلاد والمغترب ، مؤكداً اتزام الدولة بتنفيذ توصيات المؤتمر .
الامين العام لجهاز تنظيم شئون السودانيين بالخارج السفير حاج محمد السوار ، اوضح ان المؤتمر التزم التزام قانونى بنص المادة ( 14/1 ) من قانون جهاز المغتربين لسنة 1998 م والتى تنص على انعقاد مؤتمر عام للمغتربين كل ثلاث سنوات ، وان المؤتمر العام السادس جاء فى ظل متغيرات كثيرة داخلية وخارجية فى اطار الهجرة والسياسات المختلفة للدولة تقتضى المواكبة ، وثمن دور المغتربين السودانيين فى التنمية بالداخل وبناء الدول المضيفة لهم مبيناً انهم لم يهاجروا ( شحاتين ) وانما هاجروا بفكرهم وخبراتهم وكفاءاتهم فكان لهم دور فاعل فى تنمية دول المهجر ، وتشهد لهم المهاجر المختلفة بأنهم افضل الجاليات فى العالم ، ورغم اختلافهم رؤاهم وانتماءاتهم الجهوية والسياسية ، الا انهم يتفقون على حب الوطن ، فكانت مشاركتهم فى المؤتمر ليستمعوا الى الدولة وتستمع الدولة اليهم .
كانت الجلسة الختامية للمؤتمر بنادى الشرطة ببرى ، جلسة حوار مفتوح ومكاشفة بين المغتربين ونائب رئيس الجمهورية الدكتور حسبو محمد عبد الرحمن بدأت عقب صلاة المغرب وامتدت الى الساعات الاولى من صباح اليوم التالى بحضور الامير احمد سعد عمر وزير وزارة مجلس الوزراء ، والسفير حاج ماجد سوار ، الامين العام لجهاز المغتربين ، وبدر الدين محمود وزير المالية الاتحادي ، ووزير الداخلية الفريق اول الركن عصمت عبد الرحمن زين العابدين ، والبروفسور سمية ابو كشوة وزيرة التعليم العالى والبحث العلمى ، والاستاذ عبد الرحمن حسن عبد الرحمن هاشم محافظ البنك المركزى ، والفريق شرطة عوض النيل ضحية رئيس الهيئة العامة للجوازات والهجرة واللواء احمد عطا المنان مدير الادارة العامة للجوازات والهجرة ، والدكتور ابراهيم احمد البحارى رئيس المجلس الاعلى للجاليات السودانية بالخارج والدكتورة جواهر عبد الله رئيسة المؤتمر، طرح فيها المغتربون جميع المشاكل التى تعترضهم فى الاغتراب واستمع اليها نائب الرئيس والوزراء بصدر رحب واريحية كاملة واعلنوا جميعهم التزامهم التام بما جاء فى توجيهات النائب الاول لرئيس الجمهورية الفريق اول الركن بكرى حسن صالح فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر .
نائب رئيس الجمهورية اكد خلال حديثه فى الجلسة الختامية للمؤتمر على اهمية تنظيم الجاليات السودانية بالخارج جغرافياً للانخراط فى عمليتى الحوار الوطنى والمجتمعى ، مهيباً بجموع المغتربين بالتمسك بالثوابت الوطنية والمحافظة على قيم واخلاق السودان والسودانيين بالخارج والتبشير بمخرجات المؤتمر وقضايا الحوار الوطنى والهوية والولاء للوطن .
وتسلم حسبو توصيات المؤتمر من الامير احمد سعد عمر وزير وزارة مجلس الوزراء ، والسفير حاج ماجد سوار امين عام جهاز المغتربين والدكتورة جواهر عبد الله رئيسة المؤتمر ووعد بتسليمها السيد رئيس الجمهورية تمهيداً لانزالها الى ارض الواقع .