إعداد: أ. محمد المعتز جعفر الطيب عثمان
مدخل:
تتداخل العديد من الظروف الموضوعية والتي جعلت من السودان يقع في مسار هذه الظاهرة، فمن حيث الجغرافيا فالسودان محاط بحدود مفتوحة شبه خالية من الموانع والعوائق الطبيعية كالجبال والبحار وغيرها، الأمر الذي يسهل عملية الإنتقال المنظمة والعشوائية من وإلي السودان، هذا إلي جانب التداخلات الإثنية والقبلية بين القبائل الحدودوية ذات الإمتدادت فوق القومية، فمعظم قبائل التماس تشترك في التركيبة الإثنية مع دول الجوار، مثل بعض قبائل غرب وشرق السودان،
بالشكل الذي يصعب معه السيطرة علي حركتها نسبة للعلائق العائلية والمصلحية والثقافية التي تربط بينها، أيضاً تمثل النزاعات والإضطرابات السياسية أحد أهم الأسباب الباعثة اللحركة الديمغرافية في المنطقة.
ونجد هناك ظاهرة يشارك فيها السودان دول أخرى ولكن بنسبة أعلى بكثير وهي تحول الوجود الشرعي المقنن للأجنبيين إلى تواجد غير شرعي من خلال عمليات التسرب من المعسكرات إلى المدن الكبرى حيث تصعب جهود إعادة المتسربين أو حصرهم في سجلات المؤسسات الرسمية نسبة لتشابه ملامحهم وسماتهم مع الكثير من مكونات وكيانات الشعب السوداني ونسبة كذلك إلى سماحة الشعب السوداني التي تصل أحياناً إلى حد الخلط بين ماهو إنساني يأمر به الدين وماهو وطني يهدد الأمن القومي، وكل هذا يمكن المهاجرين غير الشرعيين من الدخول إلى سوق العمل بسهولة بدون إقامة أو تسجيل رسمي لدى الدوائر المختصة .
ما يزيد الأمر تعقيداً أن الهجرة غير الشرعية على السودان قد إتخذت خلال السنوات الأخيرة بعداً جديداَ خطيراً ، فهي قد تحولت من مغامرات فردية لتحسين أوضاع المهاجرين في السودان أو إتخاذه معبراً إلى دول أوربا وأمريكا ، أو إضطرارية هرباً من الحروب والنزاعات المسلحة والمجاعات ، تحولت إلى نشاط منظم تديره شبكات تشرف على تهريبهم عبر الحدود وإيوائهم بالداخل نظير أموال طائلة وإستغلال غير إنساني لوضعهم غير الشرعي ، أي أصبحت ضرباً من ضروب الإتجار بالبشر ، وأعضاء هذه الشبكات من المهربين والسماسرة إلى جانب إستغلالهم للمهاجرين غير الشرعيين من أجل مصالحهم، هم يعرضون الأمن القومي السوداني إلى خطر جسيم متعدد الأبعاد الامنية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية.
فالتحكم في منافذ وأساليب الهجرة غير الشرعية الداخلة إلى البلاد وضبط عمليات التسلل والتهريب أمراً في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً ، وهنا نشير إلى أن هناك دول لديها إمكانيات أكبر من السودان بكثير عجزت عن إغلاق منافذ الهجرة غير الشرعية ، منها أميركا التي فشلت في الحد من تسلل المكسيكيين ألى داخل أراضيها رغم أساليب الرقابة المتطورة التي إتخذتها، وهناك أيضاً أسبانيا التي عجزت عن إيقاف تسلل الأفارقة تماماً رغم وجود مضيق جبل طارق والأسلاك الشائكة،والنجاح المحدود الذي حققته في هذا الصدد حول المملكة المغربية إلى دولة مقر لمهاجري دول جنوب الصحراء بعد أن كانت معبراً .
ومن هنا ليس غريباً أن يصبح السودان بمساحاته الشاسعة وحدوده الطويلة وتداخله السكاني مع جيرانه وإمكاناته المحدودة ومستقبله الواعد أكبر مستقبل للهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، والصعوبات في السودان لا تقف عند الحد من الهجرات، وأنما تتعداها إلى صعوبة حصرها ، فالدراسات والإحصاءات والتقديرات للمهاجرين غير الشرعيين متباعدة ومتضاربة وتفتقر إلى الدقة، حتى التعدادات الرسمية التي تمت في الدولة ظهرت فيها أرقام ونسب الأجانب غير واقعية وذلك بشهادة خبراء التعدادات أنفسهم ، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى عدم تجاوب المهاجرين لعمليات الحصر والإحصاء خشية أن تتمخض عنها قرارات وسياسات لا يرغبون فيها ، لذلك غالباً مايدعون أنهم سودانيون ، ويساعدهم في هذا الإدعاء القبائل المشتركة التي ينتمون إليها وملامحهم وسحناتهم وإكتسابهم للغة العربية والعادات السودانية .
حيث بات من الواضح أن هنالك العديد من الظواهر الحديثة والمعقدة والتي تكتسب تعقيدها من الظروف الموضوعية التي إنتظمت العالم من ثورة هائلة في مجال النقل والإتصالات والمواصلات، وماصاحب ذلك من بروز هذه الظواهر والتي يجب أن تخضع للبحث والدراسة والتقصي بقية الوقوف علي إتجاهاتها وأنماطها وسلوكها، بالإضافة علي تأثيراتها منفردة ومجتمعة علي مجمل الأمن القومي للدولة.
علي هذا تأتي ظاهرة تنامي الوجود الأجنبي وما يتبع ذلك من تفشي لظاهرة الإتجار بالبشر في السودان كأحدي أكبر هذه الظواهر، حيث شهد في العشر سنوات الأخيرة زيادة كبيرة للوجود الأجنبي بأشكاله المختلفة. نسبة لما شهده السودان من تطورات غير مسبوقة تنتظم كافة أوجه الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية، والشاهد أن التطور الذي شهدته البلاد في العشر سنوات الأخيرة يفوق كل ما أنجز منذ الإستقلال، وكان لتبني قيادة الدولة لبرامج التأصيل وتأكيد الهوية السودانية والإعتماد علي الذات ورفض الوصاية، والإهتمام بالتعليم والبحث العلمي أفقياً ورأسياً، أكبر الأثر في نقل السودان من دولة تتلقي المساعدات والإعانات إلي دولة رائدة مكتفية ذاتياً من السلع الإستراتيجية، بل ومصدرة، الأمر الذي قفز بمعدلات التنمية إلي معدلات غير مسبوقة وعمل علي تحسين مستويات الدخول وإرتفاع مستوي المعيشة لإنسان السودان، ما يمكن إعتباره سبباً مباشراً ورئيسياً لزيادة الوجود الأجنبي.
جهود السودان في مكافحة الظاهرة:
اعترافا من السودان بفاعلية الشراكة مع المنظمات الدولية والوطنية في معالجة بعض المشاكل نشأت علاقات بين العديد من مؤسسات الدولة بين والمنظمات المعنية بمكافحة هذه الظاهرة حيث بدأ جهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج عبر مركز السودان لدراسات الهجرة والتنمية والسكان بالتعاون مع العديد من الشركاء الوطنيين والدوليين، في إدارة عدة مشروعات بحثية وانشطة فكرية تصب في تنظيم وادارة العديد من الملفات ذات العلاقة بالهجرة، والتي كان من بينها المبادرة التي اطلقها الجهاز منتصف العام المنصرم والهادفة لتقديم مشروع قانون لمكافحة الاتجار بالبشر.
ويمكن حصر جهد الجهاز في هذا السياق في الآتي:
1- كون الجهاز لجنة لوضع تصور لمشروع قانون يقدم للجهات المختصة تحت مسمي قانون مكافحة الإتجار بالبشر.
2- أنتج فلم حول هذه الظاهرة.
3- نشر الثقافة المناسبة بين الشرائح المهددة، ورفع الوعي الرسمي الجمعي.
4- أقام عدة ورش عمل فنية متخصصة دعا لها كافة الجهات الرسمية والطوعية والمنظمات الدولية المعنية بالإتجار بالبشر.
5- عقد مؤتمراً جامعاً لمناقشة قضية الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإتجار بالبشر.
6- يعمل الجهاز حالياً علي تكوين فريق وطني من الخبراء والمسئولين لبحث الأنشطة اللازمة في مواجهة تحديات الهجرة غير الشرعية، وصولاً لصياغة خطة عمل قومية موحدة، ستساعد في تطوير سياسات وبرامج وتدخلات ومعارف جديدة تختص بالهجرة غير الشرعية في السودان والمنطقة.
ظلت كل هذه القضايا الهجرية بمختلف أشكالها وأنواعها محل إهتمام السودان لما تمثله من أهمية كبري في مجمل المشهد السوداني، سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وأمنياً وحتي ثقافياً، الأمر الذي تطلب البحث والتقصي والدراسة وفوق كل هذا التنظيم والإدارة الفاعلة والتنسيق المحكم بين الجهات المعنية بالتعامل مع هذه القضايا الملحة، وفي هذا الإتجاه جاءت مبادرة جهاز تنظيم شئون السودانيين بالخارج وإنشغاله بقضية " الإتجار بالبشر " حيث أنه وفى إطار هذا الإهتمام عكف الجهاز علي تنفيذ خطة طموحة للتعريف بالظاهرة وأبعادها ومخاطرها ونشر الثقافة المناسبة بين الشرائح المهددة، ورفع الوعي الرسمي الجمعي، عبر حملة إعلامية واسعة للتعريف بالظاهرة وأبعادها ومخاطرها، وأعد فيلماً وثائقياً بعنوان مصيدة الأحلام يهدف إلي تعبئة الرأى العام الرسمي والشعبي ضد الظاهرة، كما وتم تشكيل لجنة تحت إشراف المستشار القانوني للجهاز لإعداد مشروع قانون وطني شامل "لمكافحة الإتجار بالبشر " وبعد دراسات مستفيضة للقوانين المثيلة فى بعض الدول ومعطيات الهجرة من وإلى السودان تمت صياغة المشروع وعُرض فى مؤتمر" تنظيم الهجرة السودانية ومكافحة الإتجار بالبشر" الذى نظمة الجهاز فى 31/5/2011 وشارك فيه عدد مقدر من المختصين، وعمل المؤتمر علي بحث هذه القضية المستحدثة بهدف الوقوف علي أبعادها ومعرفة أنماطها ومسبباتها، وتعريف الرأي العام الرسمي والشعبي بهذه الظاهرة، وبحث سبل التصدي لها، وخرج المؤتمر بتوصيات هامة وموضوعية، أيضاً أقام الجهاز عدة ورش عمل دعا لها كافة الجهات الرسمية والطوعية والمنظمات الدولية المعنية بالإتجار بالبشر.
وكنتيجة لهذا الدفع المتواصل من قبل الجهاز في سبيل المصادقة علي هذا القانون، تفاعلت وتنادت وزارة العدل لدعم هذا العمل، حيث نظم الجهاز في يوم الخميس الموافق 28 يونيو 2012 بالإشتراك مع وزارة العدل ورشة عمل حول مشروع قانون الإتجار بالبشر لسنة 2012م، برعاية وتشريف السيد وزير العدل مولانا محمد بشارة دوسة، وحضور قيادات الوزارة وتمثيل وزارة العمل ومجلس الوزراء ومعتمدية اللاجئين وجهاز الأمن والمخابرات الوطني، إلي جانب لجنة التشريعات بالمجلس الوطني وممثلي المنظمة الدولية للهجرة بالسودان، قامت فيها الأستاذة عواطف عبد الكريم المدير السابق للإدارة القانونية بجهاز المغتربين والمدير الحالي لإدارة التشريعات بوزارة العدل، بإلقاء الضوء علي مسودة القانون ومستعرضة أبرز ملامحه مع ذكر مقاربات لبعض قوانين الدول الأخري.
فالشاهد أنه وأمام قضايا وهموم الوطن تتوحد الأهداف والغايات بسعي الجميع للدفاع عن السودان علي كافة المستويات والصُعد، من هنا كان تصدي الجهاز لهذه الظاهرة حيث عمل علي تقديم مشروع فكري وقانوني متكامل وإستفاد من تجاربه وخبراته في إدارة هذا الملف، ونجح في بلورة عصف ذهني نتج عنه هذه المسودة، إلي جانب حرصه علي أن يتسق القانون والقوانين الدولية النظيرة مع إحتفاظه بالسمات والخصوصية الوطنية، فالجهاز سعي ولا يزال علي وضع البرامج الكفيلة بتنظيم الهجرة وجعلها هجرة راشدة واضحة المعالم والمقاصد تعود بالفائدة علي المواطن والمجتمع والدولة، نسبة إلي خطورة ظاهرة الإتجار بالبشر وتناميها في صمت وإتخاذها لاشكال عِدة قد لايتنبه لها المجتمع، من بينها التسول وخدم المنازل، بالإضافة للعقود المزيفة والمغشوشة، حيث إتضح أن تنامي الظاهرة وإستفحالها يرجع لطبيعة الثقافة التكافلية التي تميز السودان وأهل السودان والذين يأؤون ويتعاملون مع الوجود الأجنبي ، حيث تعمل الأسر السودانية علي إستضافة الأجانب وإستخدامهم بشكل عفوي و دون توفر المرجعيات الثبوتية المتعارف عليها، الأمر الذي يحوي بين طياته قدراً كبيراً من الخطورة، علي المستويين الخاص والعام، خصوصا عند الفعل الجنائي بمختلف درجاته فعندها قد لاتتوفر أي معلومة تساعد السلطات في التعامل مما يفتح المجال واسعاً امام الإرتجالية، والتي تهدر الوقت والجهد والمال، فلايمكن بأي شكل من الأشكال إغفال الدور الشعبي والذي يؤازر السلطات في تطلعاتها وسعيها لإنفاذ السياسات الهجرية خصوصاً مايتعلق بالوجود الأجنبي الغير شرعي ومكافحة الظاهرة بالبلاد.
وقد جاءت مسودة القانون بتعريف وطني للإتجار بالبشر كما يلي:
(يقصد به إستدراج أشخاص أو نقلهم أو إختطافهم أو ترحيلهم أو إيوائهم أو إستقبالهم أو تجهيزهم لإستخدامهم في أعمال أو لغايات غير مشروعة مقابل عائد مادي أو كسب معنوي أو وعد به أو بمنح مزايا أو سعياً لتحقيق أي من ذلك أو غيره بغض النظر عن الوسية المستخدمة).
ويشمل الاستغلال، كحدأدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمةقسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء."
وقد ظلت كل هذه القضايا الهجرية بمختلف أشكالها وأنواعها محل إهتمام السودان لما تمثله من أهمية كبري في مجمل المشهد السوداني، سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وأمنياً وحتي ثقافياً، الأمر الذي يتطلب البحث والتقصي والدراسة وفوق كل هذا التنظيم والإدارة الفاعلة والتنسيق المحكم بين الجهات المعنية بالتعامل مع هذه القضايا الملحة، وفي هذا الإتجاه جاءت مبادرة جهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج من خلال مركز السودان لدراسات الهجرة والتنمية والسكان وبالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية (IOM)، لتنظيم وإدارة ملف الهجرة بالسودان (Migration Profile). لتحقيق وتأسيس الإدارة الجيدة لهذا الملف فقد تم وضع تصور متكامل، تم عرضه في ورشة عمل مثلت فيها بالحضور الجهات الرسمية المعنية بملفات وقضايا الهجرة واللجوء والنازحين.
حيث تم تناول الإستراتيجيات والمناهج والمفاهيم والإتجاهات الحديثة في إدارة ملف الهجرة، من خلال التعرف علي كافة المصطلحات والتعريفات والشروحات ذات الصلة، إلي جانب أنسب سبل التنسيق بين الجهات المعنية والوسائل ونوع المعلومات التي يجب الإهتمام بها، سعياً نحو إعادة تشكيل الوعي، ومحاولة وضع خارطة طريق إيجابية بين أكثر الجهات الرسمية المعنية بالهجرة في السودان، و تم تشكيل مجموعة عمل فنية (Technical Working Group) من هذه الجهات وبالتنسيق مع مركز السودان لدراسات الهجرة والتنمية والسكان، مما يمكن إعتباره ووصفه كأول محاولة رسمية بهذا المستوي تهدف وترمي إلي تأسيس وإدارة ملف الهجرة في السودان، وقد وجد هذا العمل حظه من رعاية الدولة في أعلي مستوياتها السيادية.
وباشرت مجموعة العمل الفنية عملها في هذا الإتجاه سعياً لتأسيس ووضع اللبنات الأولي لهذا الملف بهذا المستوي، عبر الإجتماعات المتكررة بالجهات المعنية وجمع كل البيانات المطلوبة وتصنيفها، من أجل عقد المقاربات والمقارنات المختلفة ومن ثم التعامل معها إحصائياً وفنياً وتحليلها، وإيجاد صيغ مشتركة تخدم جميع الأطرف المعنية، وتوحد الرؤية والمقاصد لجميع الجهات ذات الصلة من أجل إيجاد وتحديد بيانات وأرقام الهجرة المنظمة والغير منظمة بدقة شديدة، وإيجاد متغيرات وتصنيفات نوعية جديدة تخدم الخارطة الإحصائية للسودانيين في مختلف المهاجر، حسب التخصص والمهن والأعمار والنوع ودرجة المهارة، وغيرها من المتغيرات، بل ويتعدي الأمر ذلك للوقوف علي الوجود الأجنبي الشرعي والغير شرعي وجنسياتهم، وجدوي وجوده ومدي مساهمته في التنمية والإقتصاد، وتأثيره المباشر وغير المباشر علي مجمل العمليات السياسية والتنموية والإقتصادية والأمنية والإجتماعية، حيث لازالت الإحصائيات التي ترصد الوجود الغير شرعي غير دقيقة، ولم تحقق جميع الأساليب والميكانزمات المتبعة من قبل السلطات المعنية معدلات رصد وإحصاء حقيقي، الأمر الذي حتم تناول هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر ذات الصلة وتسخير البحث وإعمال المناهج الحديثة بما يمكن أن يخدم ويقدم تصورات وتوصيات وسيناريوهات سليمة.
وفي ذات السياق يتم في هذا المشروع التعرض لقضايا عقودات المواطنين بالخارج والسبل والوسائل الكفيلة بتقنينها وطرق الحصر والإحصاء، إضافة للأسس الحاكمة والأطر القانونية المنظمة لعمل الأجانب في السودان، ودور الوزارة المعنية بإداراتها المختلفة، في خلق الموازنات المختلفة علي هذا الصعيد.
ولايخفي الجهد العملاق الذي تضطلع به السلطات في التعامل مع هذا الأمر، يتضح هذا من خلال الحملات المنظمة والتي يغلب عليها طابع الترغيب، وعبر النداءات والإعفاءات إلي جانب مختلف أنواع المحفزات والتسهيلات الرامية لتحفيز الوجود الأجنبي الغير شرعي لتقنين أوضاعه في البلاد، ولم تستهدف هذه الحملات الغرباء فقط بل أيضاً المواطنين والذين يأؤون ويتعاملون مع الوجود الأجنبي دون المرجعيات الثنبوتية المتعارف عليها، حيث تعمل الأسر السودانية علي إستضافتهم وإستخدامهم بشكل عفوي الأمر الذي يحوي بين طياته قدراً كبيراً من الخطورة، علي المستويين الخاص والعام، خصوصا عند الفعل الجنائي بمختلف درجاته فعندها قد لاتتوفر أي معلومة تساعد السلطات في التعامل مما يفتح المجال واسعاً امام الإرتجالية، والتي تهدر الوقت والجهد والمال، فلايمكن بأي شكل من الأشكال إغفال الدور الشعبي والذي يؤازر السلطات في تطلعاتها وسعيها لإنفاذ السياسات الهجرية خصوصاً مايتعلق بالوجود الأجنبي الغير شرعي بالبلاد. هذا في النطاق الضيق أما علي المستوي الواسع فتقنين الوجود الأجنبي يجعل كل الخطط والسياسات الموضوعة من قبل الدولة تستصحب معها هذه الإحصائيات الدقيقة، بما يخدم مجمل الأهداف بمختلف إتجاهاتها،وعلي هذا يأتي مشروع تنظيم وإدارة ملف الهجرة (MIGRATION PROFILE) والذي يعمل علي تحقيق أكبر عائد ممكن ويقدم حلول منطقية وحقيقية عن طريق الإستفادة من الخبرات والبحوث والمناهج الحديثة. وتنسيق الجهد الفردي والجماعي لمختلف الجهات المعنية.
وتقتضي مهمة تنظيم وإدارة ملف الهجرة في السودان الوقوف علي مختلف الإجراءات والقواعد والقوانين المنظمة للهجرة في سياقها الواسع، وتجميع الإحصائيات ومراجعتها وتحديثها بإستمرار، وتفاكر مختلف الجهات المعنية في سبل تطوير ودفع هذا الجهد.
ومن المؤمل أن يستمر هذا المشروع ويُحدث سنوياً، مقسماً لعدة مراحل بدءً من التوافق علي خطط وإستراتيجيات العمل وإعداد النماذج والأُطر العامة التي يسير علي هداها العمل مروراً بمرحلة جمع وحصر كل البيانات والمعلومات المتعلقة بالمشروع ومن ثم تحليليها وتقييمها وتصنيفها في سياق نموذج معرفي شامل بعد إختبار النتائج ومن ثم صياغة مسودة أولي وصولاً إلي المرحلة النهائية وقد إنطلقت بالفعل عمليات الرصد والمتابعة بمشاركة واسعة من مجموعة العمل الفنية التي تضم منسوبو الوزارات والجهات المعنية، بعد أن تم الفراغ من تصميم الهياكل والنماذج المطلوبة الهادية لهذا المشروع، ورغم كل هذا إلا إن النجاح الفعلي للمشروع يظل رهين بمدي قبول الرأي العام وتفهمه وإدراكه لدوره في دعم ومؤازرة الجهد الرسمي في تعاطيه مع قضايا الهجرة واللاجئين.
وختاماً ورغم كل هذا التدافع والتعاضد الرسمي في سبيل مكافحة هذه الظاهرة إلا إن النجاح الفعلي للسيطرة والتصدي لها يظل رهيناً بمدي قبول الرأي العام والوعي الشعبي الجمعي وتفهمه وإدراكه لدوره في دعم ومؤازرة الجهد الرسمي في تعاطيه مع قضايا الإدارة الفاعلة والراشدة للهجرة وإفرازاتها السالبة، لذلك وإدراكا من قيادة الجهاز ومركز السودان لدراسات الهجرة والتنمية والسكان لهذا الضلع المفتاحي والمهم في المعادلة فقد تم إعداد خطة طموحة وواعدة في سبيل نشر الوعي الهجري السليم وتعريف المجتمع بأبعاد وأشكال وتجليات الظاهرة ونتائجها الكارثية، بالإضافة لتطلع المركز للشروع في برامج بناء القدرات ليس علي الصعيد الوطني فحسب بل ليشمل كل الإقليم، سيما بعد توفرت لديه خبرات تراكمية، ونجح عبر برامجه وأنشطته الفكرية في لفت أنظار مؤسسات دولية مختلفة.
مركز السودان لدراسات الهجرة والتنمية والسكان
جهاز المغتربين
سبتمبر 2013